من كان يتخيل أن يهتز العالم أجمع كما حصل منذ بداية عام 2020؟، أكاد أجزم أن أكبر المتشائمين ما كان خيالهم ليصل إلى توقع سيناريو كالذي حصل، بعد أن ألقت جائحة كورونا (كوفيد 19) بظلالها على دول العالم كافة، الأمر الذي يستدعي التفكير في أبعاد ما بعد هذه الجائحة، وآثارها على الأفراد أو الشركات أو حتى الدول.المعلومات المتضاربة التي نتلقفها من مختلف المصادر حول كورونا تصعّب علينا فهم الأزمة،
وتحليلها، فضلاً عن التعامل معها، لكن على المتفائل الذي يبحث عن الحلول، أن يسعى لتنقية الصورة المُشاهدة، وأن يوسع الكادر، في سبيل النظر إلى المشهد بطريقة بانورامية. إذ كما توجد السلبيات حتماً هناك إيجابيات، خاصة وأن البحث عن الحلول هو الأسلم والأنجح لمواجهة الأزمة.صحيح أن قطاعات كبيرة، كالنفط، والطيران، والشحن، ومعظم القطاعات الإنتاجية تضررت بحالة الجمود والشلل الذي أصاب العالم خلال الجائحة، لكن في المقابل هناك صعود كبير لقطاعات أخرى، ما يعني أن الاقتصاد العالمي يتغير بشكل جذري، واستراتيجي أيضاً، والرابح حتماً من سيدرك قواعد اللعبة الجديدة.قطاع التكنولوجيا يقود ما يسمي باقتصاديات gig أو اقتصاد العمل الحر و العقود القصيرة و التي تشد من عزم الطلب علي العقود الذكية في العملات الرقمية و التي تشهد نمو متزايد خصوصا و ان المشرع الاقتصادي الأمريكي يتجه الي تشريع بعض العملات الرئيسة مثل البت كوين و قد يكون اقترب كثيرا من التشريع لليبرا فيس بوك و كذلك الصين و عملاتها الرقمية الجدية خصوصا مع قرب إطلاق خدمات الجيل الخامس في الاتصالات و التي ستقود العالم الى انترنت الأشياء و الاستثمارات الضخمة للصناديق العالمية في تكنولوجيا التعامل بالعملات الرقمية أمثال بي بال و أخوتها وفي ظل فرض العملات الرقمية نفسها، وتوسع دائرة الحلول المالية الرقمية، فإن السيولة ستكون متاحة، وكما هو معلوم، فإنها المنقذ الوحيد للاقتصاد، خاصة في قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة الذي يشارف على الهلاك في ظل الأزمة القائمة، الأمر الذي استدعي من الحكومات ضخ الكثير من الأموال في القطاعات الاستراتجية مثل الطيران و الصحة للنجاة بها بعد انتهاء الأزمة العالمية .غالباً، لن يبقى شيء على حاله خلال الأعوام القليلة المقبلة، رغم ذلك، ربما ستعود بعض القطاعات الكبرى إلى الانتعاش، وكذلك أسعار النفط، لكنها لن تكون بعد جائحة كورونا ركيزة للاقتصاد العالمي الجديد.على مستوى القوى الكبرى، لن تتغير موازينها كثيراً فهي من يقود التغير ، فأمريكا على أغلب الظن تحارب من اجل قيادتها للعالم الاقتصادي بقوتها العسكرية و تقدمها التكنولوجي ، وكذلك الصين التي خرجت بالعديد من المكاسب من هذه الجائحة. وبحسب المعطيات، فإن الاقتصاد الأوروبي سيكون الضحية الكبرى لهذه الأزمة، وغالباً ستسهم في تفكيك المنظومة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي على المدى المتوسط والطويل، إلا في حال حدثت تغيّرات جذرية في المنظومة الاقتصادية الأوروبية.وعوداً على دول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديداً، فمن المعلوم أن المملكة و برغم تاثر موارنتها العامة كما أشار وزير المالية و التغيرات الكبيرة علي الضريبة المضافة فمن المرجح تخطي الأزمة المالية بهذا الدعم الجديد و لوجود الخزن الإستراتيجي من السلع الاستراتجية مثل النفط و التعدين و ثقلها الإسلامي العالمي ، ما يغذي الاحتياجات الداخلية بكل سهولة إذا ما تم ربطها بشكل مرن مع المتغيرات العالمية و الاحتياجات الداخلية ، الأمر الذي يضمن سيرورة برامج رؤية المملكة 2030 في مسارها.و بما ان المملكة اليوم تقود تغير اقتصادي كبير تتبعها به باقي دول العالم العربي والإسلامي من خلال مشاريع الروية الطموحة فان تفعيل أنظمة الاقتصاد الحر و ما يتبعها من العقود الذكية و ربطها بعملة رقمية وطنية سيخفف عب التقلبات الاقتصادية و الضغط الذي من المحتمل ان تتعرض له الموازنه العامة خلال الأعوام القادمة و سيجعل المملكة من الدول القيادية في منصة التعاملات الرقمية .لا شك أن الاقتصاد العالمي يرزح تحت وطأة التدابير الهادفة لاحتواء فيروس كورونا، وهو ما انعكس في حجم إفلاس متوقع، مع ذلك؛ يرى بعض الاقتصاديين بنظرة متفائلة أن تحقيق الأسواق انتعاشاً سريعاً بعد هذه العاصفة أمر ليس مستبعداً، في حين تقول المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، إن “النمو العالمي سيكون سلبياً بمستوى كبير في عام 2020”. إذاً متى تأتي اللحظة المناسبة لإعادة تنشيط الاقتصاد؟بات واضحاً أن أثر الصدمة بدأ بالزوال و سيكون الفايروس مثله مثل باقي الأوبئة التي تحتاج الي لقاحات للتعامل معها . وبدأ البحث عن الحلول على مستوى الدول والمحركات الكبرى للاقتصاد العالمي. والشروع بإجراءات إعادة الحياة وإنعاش الاقتصاد بدأت على مستويات مختلفة. وبالتالي، فإن عملية إعادة الهيكلة للاقتصاد العالمي على وشك أن تبدأ، علينا أن نتوقف عن النظر بتشاؤم إلى نصف الحقيقة، لكن علينا رؤية النصف الآخر بوضوح، ومبكراً
بقلم بدر بن عبدالله الحماد