تمر المملكة العربية السعودية بتحول اقتصادي كبير بفضل تنفيذ برنامج رؤية المملكة 2030، والذي يعتبر الأداة المصممة لدعم الأعمال وتحديث الدولة وإطارها التنظيمي وفتح أبواب المملكة أمام العالم الخارجي.
يحظى الدور الذي يؤديه روّاد الأعمال في التنمية الاقتصادية بالمملكة بأهمية بالغة، نظراً لأن ريادة الأعمال تعتبر من أكثر الطرق فعالية لإنشاء أعمال تجارية جديدة وزيادة حجم الشركات وإيجاد فرص العمل. ويلزم لإثبات مساهمة المشاريع الريادية في اقتصاد المملكة، وجود مصدر علمي للمعرفة، غني بالمعلومات الموثوقة والصحيحة، والتي يمكن أن توفر حقائق وأرقامًا تتجاوز مجرد إحصاء أعداد المشاريع الريادية وقطاعاتها.
كما يستلزم صياغة سياسات عامة لتعزيز هذا القطاع، معرفة خصائص الموضوعات الموجودة في أنشطة ريادة الأعمال في البداية. وبالمثل، كان من الضروري معرفة جوانب مثل درجة الدعم الاجتماعي لريادة الأعمال، وانتشار قيم ريادة الأعمال بين المواطنين، والظروف البيئية المحيطة لأخذ زمام المبادرة من أجل تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في المملكة.
جدير بالذكر أن المرصد العالمي لريادة الأعمال تم إنشاؤه في عام 1997، في حين تم تنفيذه عام 1999 (من قبل كلية لندن للأعمال بالتعاون مع كلية بابسون بالولايات المتحدة الأمريكية) باعتباره المشروع الأكثر طموحًا لقياس وتحليل المؤشرات الرئيسية لريادة الأعمال، وقد شكل المرصد المنصة المثالية للانضمام إليها من أجل استقصاء هذا النوع من المعلومات، وفي نفس الوقت، إجراء مقارنة معيارية مع البلدان الأخرى حول العالم وتلك الموجودة في نفس المنطقة الجغرافية.
انضمت المملكة العربية السعودية مرة أخرى إلى مشروع المرصد العالمي لريادة الأعمال في عام 2016 من خلال كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال بالتعاون مع مركز بابسون العالمي لريادة الأعمال لإصدار التقرير المحلي السنوي والمساهمة أيضًا في إعداد التقرير العالمي السنوي. ومنذ إنشائها، أصدرت كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال أربعة تقارير سنوية لـلمرصد العالمي لريادة الأعمال عن المملكة، بالإضافة إلى أول تقرير على الإطلاق حول ريادة الأعمال النسائية بهدف تحليل مدى تطور ريادة الأعمال النسائية في المملكة.
وعقب الإصدار الأساسي الافتتاحي لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2016، تناولت التقارير التالية تطور العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي شجعت ريادة الأعمال على الانتشار في جميع أنحاء المملكة. و الأهم من ذلك، تشير نتائج هذا العام إلى أنه لأول مرة في المملكة العربية السعودية، تتجاوز نسبة رائدات الأعمال مثيلتها لدى رواد الأعمال، كما تظهر نتائج جميع تلك التقارير كيف استمر تطور ريادة الأعمال والنظام البيئي المرتبط بها في المملكة. وأصبح بإمكاننا الآن أن نقول بكل ثقة أن النظام البيئي لريادة الأعمال في المملكة مهيّأ للاستفادة من التحول المتسارع للاقتصاد في المنطقة والذي غذّته رؤية المملكة 2030″.
بالإضافة إلى ذلك، يسلط تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال الضوء على نقاط القوة الرئيسية في المملكة في مجالات مثل البنية التحتية المادية، والسياسات الحكومية والدعم، وديناميكيات السوق الداخلية، والأبعاد الثقافية والاجتماعية. كما يوضح التقرير وجود تحسن ملحوظ في معظم الظروف الإطارية لريادة الأعمال، وعن وصول مؤشرات متابعة ريادة الأعمال كخيار وظيفي قابل للتطبيق إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بين أفراد الشعب السعودي.
ويشير التقرير أيضاً إلى التأثير الإيجابي للمساهمات والمؤسسات الحكومية مثل “منشآت”، لكنه يؤكد على الحاجة إلى التطوير المستمر للدعم المالي والسياسات الحكومية الداعمة لرواد الأعمال، وتحسين برامج تعليم ريادة الأعمال في المدارس والكليات، وتعزيز البنية التحتية التجارية والاستثمار المستمر في البرامج الحكومية الفعالة.
ويمكن للحكومات أن تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز ريادة الأعمال على المستوى الوطني بإزالة العقبات أمام رواد الأعمال المحتملين وتنفيذ السياسات والبرامج الداعمة لجهودهم. وفي إطار رؤية المملكة 2030، أصبح من الواضح أن الحكومة السعودية تنظر إلى ريادة الأعمال كمساهم رئيسي في النمو الاقتصادي، وتنويع الصناعة، وإيجاد فرص العمل، وزيادة القدرة التنافسية العالمية في المملكة.
ولدى المملكة جميع مقوّمات تولي منصب قيادي في تنمية ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأيضاً على مستوى العالم. وسيواصل المرصد العالمي لريادة الأعمال في المملكة تقديم بيانات ومعلومات موثوقة وصحيحة حتى يعرف صنّاع القرار في المملكة وجميع مقدّمي خدمات تطوير الأعمال في مجال ريادة الأعمال حالة كل قطاع ومن ثمّ إمكانية اتخاذ أفضل القرارات لحمايته والترويج له.
بقلم: د. محمد أعظم رومي
أستاذ لريادة الأعمال بكلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال