الغربة صقلتني
بدأت قصتي من أرض الشام، أرض المحشر. كانت حياة لطيفة عادية، حالها حال غيرها، وظيفة ودراسة وزواج فاشل، ومن ثم انتقلت إلى أرض الكنانة،مصر، أرض الأهرامات، بصحبة أخي ووالدتي، عملت وتدرجت في العمل يوما بعد يوم، كان حلمي الإعلام، حيث أدرس وأتتلمذ على يد فراعنة كبار، وحققت أمنيتي، لكني لم أكمل مسيرتي التعليمية، حيث قررت أنا وأخي، بين عشية وضحاها، أن نبحر بمركب صيد صغير مقابل مبلغ لكل فرد، أو إن صح التعبير ندفع خمسة آلاف دولار عن كل واحد منا، كي نكون لاجئين في أوروبا.
ما بين جوع وخوف
أمضينا ثمانية أيام بالبحر، ما بين تلاطم أمواجه وسواد سمائه نتنقل من قارب لآخر، ما بين جوع وخوف وضياع وتعلق بالحياة وموت في كل لحظة،
لا نعلم أين نحن ولا بأي أرض سنموت.
ومن يقودوننا لا يتحدثون معنا، ولا يعطوننا سوى تعليمات تلو تعليمات، المهم أن المغامرات كانت كثيرة، وأنا أودّ أن أختصرها، فهي ليست محور حديثي الآن.
أخيراً وصلنا إلى شواطئ إيطاليا، وأصبحنا لاجئين مسجلين، كنت وأخي نفكر في الذهاب إلى هولندا أو ألمانيا، لم نرغب في البقاء عند الرومان.
بدأت رحلتنا في أوروبا بنصب واحتيال من مسلمين عرب، طلبنا منهم مساعدتنا فوجهونا الى فرنسا وسلبوا منا أموالنا، وأنا أريد الذهاب الى ألمانيا، وأخي يريد الذهاب إلى هولندا، ومرت أيام سيئة بعدها أيام أسوأ، حتى سخر لنا المولى سبحانه بعضا من خلقه الصالحين الناصحين ممن وقفوا معنا هناك، ولا أنساهم على مرّ السنين، ارحبوا فينا ووجهونا في بلدان هذه القارة العجوز التي رأينا في بداية رحلتنا لها أشكالاً من الضياع والحاجة والجهل وعدم القدرة على إدراك الأمور والمستجدات، مرت أشهر حتى عملنا وتطورنا،وأخذنا في التأقلم مع المناخ العام بما يتناسب مع مناهج الأوربيين واستراتيجياتهم، وبدأنا ننسى السهر والفسح والزيارات.
كنت أنا وأخي نتصل كل عدة أيام بوالدتنا للاطمئنان عليها، ورغم كل ما مررنا به إلا أننا ظللنا نضحك ونمسح دموع بعضنا بعضا متفائلين بأن القادم أفضل،
فبدون التفاؤل ما كان لنا أن نعيش. فقد مرت اثنا عشر عاما بلمح البصر لم تكن في الحسبان، لم أكن أنظر خلالها إلى للخلف، فقط استيقظ كل صباح جديد على أمل وهدف وابتسامة جديدة، ثم آخذ نفساً عميقاً وأنطلق.
خلال فترة وجيزة
تعلمنا اللغة الألمانية في عامنا الأول، وخلال فترة وجيزة حصلنا على الجنسية، ديار ما يسمى بالمكينة الألمانية ساهمت في صقل مواهبي، وزيادة قوتي،وإصراري على المثابرة، والعيش دون كلل أو ملل.
فمن كثرة ما نالنا من التعب والارهاق والخذلان والحاجة؛ أصبحنا نبدع أكثر نتعلم أسرع، نعمل بجد، ونحب ما نقدمه، ونطمح للمزيد دون استسلام، خضت تجارب العمل بأنواعه،وتعلمت التجميل وزراعة الشعر، وهو تخصص دقيق، وعملت في مجال الترجمة والتجارة حتى استجمعت قواي مجدداً ، وخلال العامين الماضيين أصبحت قادرة أن ألتقي في ابنتي التي حرمتها الأقدار أن تعيش في حضني وهي في عمرِ الزهور، فقاتلت وحاربت حتى جلبتها الى برلين، كذلك أحضرت والدتي التي بسبب دعائها تجاوزنا الكثير من العقبات، ولانت لنا الكثير من القلوب، وسُخِرت لنا الكثير من الأفئدة في كثير من المواقف والظروف.
كاتبة أو إعلامية
كثيرة هي الحكايات، لكنني أنصح الجميع ألا يتخلوا عن أحلامهم وطموحاتهم،وأن يتمسكوا بها حتى الرمق الأخير من حياتهم.
فأنا ألتفت في هذا العام الى حلمي الذي أتمنى تحقيقه، وأن أصبح كاتبة وإعلامية يشار لها و أضع بصمة تدل على روح المرأة العربية وقوتها وأنوثتها، لذا توجهت إلى الرياض، ومن ثم دبي، للحصول على أهم الدورات في مجال الإعلام، لأصبح مذيعة أو مراسلة، رغم أن طموحي الذي أراه نصاب عيني هو أن أقدم برنامجي الخاص بالمنوعات أو المجتمع والفن، أريد أن أرى الابتسامة تعود على محيا الجميع، وأن أسعى لنشر السعادة ونسيان الظروف القاسية والقاحلة، ولم ولن أتوقف عند هذا الحد؛ بل سأمضي قدماً لتحقيق ما أصبو اليه.
بقلم الاعلامية / سارة شقير