من مطار الملك خالد الدولي في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، انطلقت نحو مسقط على الخطوط الجوية العمانية، حيث عاصمة سلطنة عمان، ذلك البلد الجميل، الهادئ، المضياف، صاحب التاريخ، الحضارة والتراث، هنا وفي هذه البقعة من العالم وجدت الكثير من الأمور التي لم أكن لأراها في دولة أخرى غير السلطنة التي سطرت في مجلدات التاريخ فصولًا باسمها، وباسم شعبها وحكومتها وسلطانها، خصوصًا وأن لديها عديد المقومات السياحية بحكم موقعها الوسيط كبوابة بين شرق العالم وغربه، لذا فهي تتمتع بالعديد من مناطق الجذب السياحي والسياحة الثقافية.
تلقيت دعوة كريمة من وزارة السياحة والتراث العماني، لبيتها على الفور، فكان لحفاوة الاستقبال طابع خاص من الجميع، الوزارة والعاملين بالمطار وفي شركة السعادة للسياحة، ليؤكدوا جميعًا رسالة شعب لا يحمل سوى الخير والسلام للعالم وبخاصة العربي وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي، ففي أحد فنادق السلطنة المتميزة بجمالها الساحر وطابعها الخلاب، وبالتحديد في فندق مسك الذي يتميز بموقعة الفريد، ومنه إلى أهم المواقع التراثية والأثرية الفريدة.
فعلى شاطئ القرم بمحافظة مسقط، شاهدت دار الأوبرا بالسلطنة وهي أولى دار من نوعها في منطقة الخليج العربي وفي الجزيرة العربية، والتي جاءت تنفيذًا لأمر السلطان قابوس سنة 2001 لتصبح ومنذ أن فتحت أبوابها أمام الجماهير في 2011 صرحًا ثقافيًا وفنيًا قادرًا على التأثير والإثراء في الحياة والثقافة والفنون في المحيط الخليجي والعربي بل والعالمي أيضًا، وذلك من خلال ما لديها من برامج فنية وأنشطة ثقافية مختلفة، تتمثل في الفعاليات والحفلات الموسيقية والمسرحيات، إضافة إلى المؤتمرات والعديد من الملتقيات الثقافية والفنية والتي تعكس العمارة العُمانية المعاصرة، والتي أبهرتني بجمال تصميمها العماني القادر على إلهام ضيوفها وإبهارهم، من خلال قدرتها على استضافة وتنظيم الأحداث والمناسبات والعروض العالمية مع فنانيين من مختلف الجنسيات، بما في ذلك عروض الباليه والأوبرا والعروض الموسيقية.
وفي ولاية المصنعة الساحلية وجدت شاطئًا خلابًا طويلًا وقرى تطل عليه حامله طابع التراث العماني القديم، الولاية التي تشتهر بالصناعة والزراعة وتضم العديد من القرى منها البديعة والمصنعة (حلة السوق) والمصنعة حلة الحصن والشعيبة وشرس الهدادبة، وهي ذات موقع استراتيجي لكونها واقعة في وسط عديد الولايات مثل البركاء والرستاق المعروفة بتاريخها العريق وقلاعها وحصونها وجبالها الشامخة.
أما الجبل الأخضر فهو يعتبر جزء من جبال الحجر الموجودة في سلطنة عمان وهو الأكثر إثارة بسبب ارتفاعه الذي يبلغ حوالي 3000 متر، وقرية وكان أحد أشهر القرى الجبلية المميزة في عمان، حصدت لقب أفضل قرى عمان الجبلية، جعلتها مقصدًا لمحبين الأجواء الجبلية.
خلال تلك الجولة السياحية، تفقدت العديد من المعالم السياحية والتراثية ومنها المتحف الوطني الذي يضم جوانب تاريخية وثقافية ودينية مهمة في تاريخها، فيضم قطعًا أثرية مختارة بعناية ومعروضة بشكل رائع مصحوبًا بلمسات إبداعية، ويمثل فارقاً في تطور الثقافة المتحفية من حيث الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي والتقنيات الحديثة ووسائل الحفظ والصون الوقائي، فضلًا عن زيارة مراكز التجارة والتسوق العالمية والمطاعم والكافيهات المقامة على أرض السلطنة.
وخلال الزيارة تفقدت أهم المزارات السياحية ومنها كورنيش وسوق مطرح الذي يحظى بأكبر عدد من الزوار والمقيمين، والذي يتميز بممراته الضيقة والمتعرجة والمسقوفة بالخشب وكثرة الأزقة والسكك التي تصطف عليها المتاجر مما يحجب أشعة الشمس المباشرة، وفي أروقة السوق تنتشر روائح العطور والبخور واللبان العماني وطعم الحلوى المميزة ورائحة القهوة الزكية، المكان يختزل فصولا تاريخية تعود لمئات السنين ولعل هذا ما جعل الزائر يعود إليه في كل مرة، ويشتهر السوق بالمشغولات اليدوية كالفضيات والخناجر والأسلحة التقليدية حيث تتوزع المحلات بين الممرات الضيقة وفسحة الممرات الرئيسية ويتجاوز عمر أقدم محلاتها 370 عام، كما يعد السوق مكاناً جاذباً لالتقاط الصور الجميلة لكونه.
وفي سوق “نزوى” الذي يعتبر من أكثر مناطق الجذب السياحي بالسلطنة لما يتميز به من جمال القلاع والحصون، وليس بالغريب على الشعب العماني الكرم والهدوء وحفاوة الاستقبال خصوصًا بالحلوى العمانية والقهوة التي يتميزون بها ويحرصون على تقديمها لضيوفهم، أما قلعة نزوى التي تسمى بـ (الشهباء) وهي من أقدم قلاع السلطنة التي تنفرد بشكلها الدائري الضخم المطمور بالتراب، والتي ضمت مركزًا عسكريًا ومواقع لتنفيذ الأحكام السجون، كما أنها ترتبط بحصن ذي ممرات متاهيه معقده.
وهنا وقفت كثيرًا أمام حصن الحزم بولاية الرستاق، والذي يعد من أجمل وأفخم الحصون العمانية، شيد خلال حكم الإمام سلطان بن سيف اليعربي خامس أئمة الدولة اليعاربة)، ورغم الفخامة المعمارية لهذا الحصن، الذي يؤكد على استحكامه العسكري، إلا أنه مليء باللمسات الجمالية الحانية، بداية من موقعه وسط خميلة ظليلة، تحيط بها كثبان النخيل النامية في ضواحي قرية الحزم، وفلجها الدافق بالماء، وكأنه نهر صغير، حيث يمر داخل الحصن، ثم إلى ضواحي القرية، عبر ساقية تعد هي الأخرى إبداعا في هندسة الأفلاج.
من جهتها، قالت الدكتورة زبيدة حمادنة – سفيرة النوايا الحسنة المقيمة بالمملكة العربية السعودية، إن زيارتها إلى سلطنة عمان تعد واحدة من أهم الزيارات التراثية والثقافية والتاريخية التي قامت بها، لما فيها من تنوع وإبداع ورقي وحفاوة في الاستقبال وتنظيم، موجهة الشكر لقيادات الوزارة على حُسن الترتيب والاستقبال والإعداد الجيد للزيارة، وكذا لعنياتهم الكبيرة بما لديهم من تراث وحضارة استطاعوا أن يبرزوها للعالم بالشكل الذي يليق بها.
كما أعربت، عن سعادتها بتفاصيل الزيارة، وعلاقاتها الإنسانية بمواطني السلطنة، وكذلك المسؤولين تقديرًا للدور الكبير الذي يلعبوه في سياق سعيهم لحفظ هذا التراث الذي يمثل جزءًا من التاريخ العربي والعالمي، مؤكده حرصها على مواصلة الحديث عما شاهدته خلال الزيارة من مناظر جمالية وإبداعية ومناطق خلابة بسحرها الطبيعي وغيرها من الحصون والقلاع التي تميزت بها السلطنة وتعد جزءً من تاريخها وتراثها الحضاري والإنساني.